مزارع الرياح والمستقبل الاخضر.. كنز الطاقة الخفي لإنقاذ الأرض
يشهد العالم اليوم تحولاً حاسماً نحو المستقبل الأخضر، مرتكزاً على الطاقات المتجددة والنظيفة، ومن بينها طاقة الرياح التي تُعد أحد الركائز الحيوية لإنقاذ مناخ الأرض.
وفق منظمات عالمية عديدة، تبرز طاقة الرياح -حاليا- واحدة من أسرع أشكال الطاقة نموا في العالم، لكون الرياح واحدة من مصادر الطاقة الوفيرة ميسورة التكلفة. ومن ثم تُستعمل طاقة الرياح على نطاق واسع مصدرا مثاليا بديلا عن الوقود الأحفوري، لتوليد الكهرباء النظيفة.
توربينات الرياح: من العصور القديمة إلى الطاقة المتجددة المستدامة
تعتبر توربينات الرياح من أحدث التكنولوجيات في مجال الطاقة المتجددة، فهي تعتمد على استخدام قوة الرياح لتوليد الكهرباء، وتعتبر بديلاً مستداماً وبيئياً عن مصادر الطاقة التقليدية.
بلغت قيمة سوق توربينات الرياح العالمية 21.4 مليار دولار في عام 2022، ومن المتوقع أن تلامس 35.4 مليار دولار بحلول عام 2032، بمعدل نمو سنوي مركب 5.2% خلال المدة من 2023-2032، وفق تقرير بحثي لمؤسسة أليد ماركيت ريسرش (Allied Market Research).
وتعود أصول توربينات الرياح إلى العصور القديمة، إذ كانت تُستخدم لطحن الحبوب وضخ الماء. ومع تقدم التكنولوجيا، أصبحت توربينات الرياح قادرة على توليد الكهرباء بشكل فعال، وفي القرن الحادي والعشرين شهدت توربينات الرياح تطوراً هائلاً وزيادة في استخدامها في إنتاج الطاقة المتجددة.
وتتنوع أنواع توربينات الرياح بناءً على تصميمها وحجمها واستخداماتها، بما في ذلك التوربينات الأفقية والعمودية والبحرية، والتي تُعد جميعها ركائز أساسية للمستقبل الأخضر والطاقة المستدامة.
الرواد العالميون في إنتاج طاقة الرياح
لكل دولة طريقتها الخاصة في القيام بتوليد الطاقة عبر الرياح، كما تختلف فيما تواجهه من تحديات في هذا الشأن، ولكنها جميعاً تشترك في هدف واحد، وهو إنتاج المزيد من الطاقة النظيفة وحماية الكوكب.
وتتصدر بلاد مثل الصين والولايات المتحدة والمملكة المتحدة قائمة الدول الأكثر إنتاجاً لطاقة الرياح، عبر استخدامهم مراوح التوربينات العملاقة لالتقاط الرياح وتحويلها إلى طاقة يمكن استخدامها.
فالصين، على سبيل المثال، تعتبر أكبر منتج لطاقة الرياح في العالم، حيث بلغ إجمالي قدرتها المركبة في هذا المجال أكثر من 300 جيجاواط بحلول نهاية عام 2021. وتسعى الصين إلى مضاعفة هذه القدرة بحلول عام 2030 في إطار خطتها الطموحة للانتقال إلى الطاقة النظيفة.
أما الولايات المتحدة، فتحتل المرتبة الثانية عالمياً في إنتاج طاقة الرياح، بقدرة مركبة تزيد عن 135 جيجاواط. وتواصل الولايات المتحدة استثماراتها الكبيرة في هذا المجال لتعزيز حصتها في سوق الطاقة المتجددة.
وفي المملكة المتحدة، بلغت القدرة المركبة لطاقة الرياح أكثر من 24 جيجاواط بحلول نهاية عام 2021، مما جعل المملكة المتحدة واحدة من أكبر منتجي طاقة الرياح في أوروبا.
وحسب البيانات الصادرة عن مؤسسة الأبحاث والإحصاءات الألمانية “statista” لأكبر الدول إنتاجاً لطاقة الرياح في العالم خلال عام 2023، جاءت الصين في الصدارة، بإجمالي طاقة رياح مولدة بلغت 885.87 تيراواط في الساعة.
وفي المركز الثاني جاءت الولايات المتحدة الأمريكية، التي تنتج إجمالا عن طريق مولدات طاقة الرياح بها نحو 425.23 تيراواط في الساعة.
وحلّت ألمانيا في المركز الثالث، بإجمالي طاقة رياح مولدة قدرت بـ137.29 تيراواط في الساعة.
وفي المركز الرابع حلّت البرازيل بنحو 95.74 تيراواط في الساعة من إنتاج الطاقة من الرياح.
وخامساً أنتجت المملكة المتحدة نحو 82.46 تيراواط في الساعة من الطاقة المولدة من طاقة الرياح خلال عام 2023.
وجاءت الهند في المركز السادس بإجمالي طاقة مولدة من الرياح 82.1 تيراواط في الساعة، ثم إسبانيا بنحو 64.13 تيراواط في الساعة، وفرنسا بنحو 48.61 تيراواط في الساعة، وكندا بنحو 38.1 تيراواط في الساعة، وفي المركز العاشر أنتجت السويد نحو 34.72 تيراواط/ساعة طاقة مولدة من طاقة الرياح خلال عام 2023.
أكبر مزارع رياح حول العالم
ولا تتسم طاقة الرياح بكونها مصدرا وفيرا للطاقة فحسب، وإنما معين لا ينضب من الكهرباء النظيفة، وهي ميزة تمثّل القاسم المشترك بين أكبر 10 مزارع رياح في العالم.
وشهدت مزارع الرياح في العالم طفرة ملموسة إبان العقدين الماضيين، في إطار تدافع الكثير من الدول المتقدمة والأقل تقدمًا -على حد سواء- نحو تبني مصادر الطاقة الخضراء، وزيادة حصة توليد الكهرباء النظيفة منخفضة التكلفة، بعيدا عن الوقود الأحفوري -النفط والغاز والفحم- ضمن مساعيها لتحقيق أهداف الحياد الكربوني.
فالولايات المتحدة الأمريكية تحتضن نصف أكبر مزارع الرياح في العالم، في حين تُصنّف كل من المملكة المتحدة والهند والصين قوى عُظمى في إنتاج طاقة الرياح، وفق تقرير صدر عن منصة “طاقة” الأمريكية المتخصصة في مارس/آذار 2023.
ويلامس الطلب على الطاقة المتجددة ذروته في الوقت الراهن، وتبرز طاقة الرياح واحدة من أكثر مصادر الطاقة المتجددة رواجا على الإطلاق، بأكثر من 350 ألف مزرعة رياح موزعة حول العالم، وفقا لأرقام نشرها موقع “رونيرجي Ronergy” المتخصص.
جيوغوان ويند باور بيس (الصين)
وتتصدر جيوغوان -المعروفة أيضا بمزرعة رياح غانسو- قائمة أكبر 10 مزارع رياح في العالم، بسعة مخططة تصل إلى 20 غيغاواط.
وستحوي المزرعة التي ما تزال قيد الإنشاء على 7 آلاف توربين، موزعة في مدينة جيوغوان ومنطقة منغوليا الداخلية، ومقاطعات خبي، وشينغيانغ، وجيانغسو، وشاندونغ بإقليم غانسو الصيني.
ويُنفذ المشروع ضمن قانون الطاقة المتجددة، الذي كشفت عنه بكين للمرة الأولى في فبراير/شباط (2005)، الذي يستهدف توليد سعة مُركبة من طاقة الرياح تبلغ 200 غيغاواط في البلد الأكثر تعدادا للسكان في العالم.
وفي 2021، وصلت سعة مزرعة جيوغوان ويند باور بيس إلى 10 غيغاواط، ومن المقرر أن تبلغ سعتها الكاملة المُقدرة بـ20 غيغاواط عند اكتمال بنائها.
دوغر بنك (المملكة المتحدة)
تحل دوغر بنك في المرتبة الثانية في قائمة أكبر 10 مزارع رياح في العالم، وهي ما تزال قيد الإنشاء.
وتقع مزرعة دوغر بنك البحرية التي تتألف من 3 مراحل، قبالة الساحل الشمالي الشرقي لبريطانيا.
وعند دخولها حيز التشغيل في عام 2026 ستصبح دوغر بنك أكبر مزرعة رياح بحرية في العالم، وتصل سعة كل مرحلة منها إلى 1.2 غيغاواط.
وفي المجمل، تحوي المزرعة 277 توربينا طراز “هالياد-إكس”، الذي تُنتجه شركة جنرال إلكتريك الأمريكية، ويُعد من أقوى توربينات الرياح البحرية أداءً في العالم.
وستلامس سعة مزرعة رياح دوغر بنك 3.6 غيغاواط، ما يعادل 5% من إجمالي سعة الكهرباء في المملكة المتحدة، وستمُد ما يصل إلى 6 ملايين منزل بالكهرباء.
جايسالمر ويند بارك (الهند)
تُصنف جايسالمر ويند بارك، التي تبلغ سعتها الإجمالية 1600 ميغاواط، أكبر مزرعة رياح في عموم الهند.
وتحوي جايسالمر ويند بارك -التي تحل ثالثا في قائمة أكبر 10 مزارع رياح في العالم- العديد من مزارع الرياح البرية الواقعة في منطقة جايسالمر بولاية راجستان الهندية.
وطُورت تلك المزارع من قبل شركة سوزلون إنرجي لتصنيع توربينات الرياح، وقد دخلت حيز التشغيل في أغسطس/آب (2001).
ويند برايم (الولايات المتحدة)
في يناير/كانون الثاني (2022)، اقترحت “ميد أمريكان إنرجي” -الشركة التابعة لمجموعة “بيركشاير هاثاواي إنرجي” لخدمات الطاقة المملوكة لقطب الأعمال الأمريكي وارن بافيت- إنشاء مشروع بقيمة 4 مليارات دولار تحت اسم “ويند باور” على هيئة المرافق في ولاية أيوا.
وسيتضمن المشروع مزارع رياح ومحطات طاقة شمسية، وسيولد كهرباء سعة 2042 ميغاواط بطاقة الرياح، بجانب كهرباء إضافية سعة 50 ميغاواط من الطاقة الشمسية.
وحال الموافقة عليه قد يرى المشروع النور على الأرجح بحلول أواخر عام 2024، وسيصبح أكبر مزرعة رياح على الإطلاق في عموم الولايات المتحدة الأمريكية.
مركز ألتا لطاقة الرياح (الولايات المتحدة)
يُصنف مركز ألتا لطاقة الرياح المملوك من قبل شركة تيرا-غن باور ثالث أكبر مزرعة رياح برية في العالم، والخامس في قائمة أكبر 10 مزارع رياح في العالم، لكنه يُعد الأكبر على الإطلاق في عموم أمريكا -حاليا-، بسعة مركبة تلامس 1548 ميغاواط.
ويقع مركز ألتا لطاقة الرياح في مدينة تيهاتشابي، تحديدا بممر جبال تيهاتشابي في ولاية كاليفورنيا، ويحوي 600 توربين تحمل جميعها علامة جنرال إلكتريك التجارية الأمريكية العملاقة.
واكتملت المرحلة الأولى من مزرعة الرياح في أبريل/نيسان (2011).
أكبر محطة رياح عائمة.. نرويجية
افتتحت النرويج أكبر محطة عائمة لطاقة الرياح في العالم في بحر الشمال، في أغسطس/آب 2023، وهي تكنولوجيا ناشئة تعد واعدة للانتقال من الوقود الأحفوري إلى الطاقة النظيفة.
تضم محطة “هايوِند تامبين” 11 توربينا ينتج كل منها ما يصل إلى 8.6 ميغاواط، ما يوفر نحو 35% من احتياجات خمس منصات مجاورة للنفط والغاز.
وعلى عكس توربينات الرياح البحرية المثبتة بقاع البحر، فإن التوربينات العائمة مثبتة بفضل نظام للرسو، وهذا الأمر يجعل تركيبها ممكنا في المياه العميقة وبعيدا من الساحل، إذ تكون الرياح أكثر انتظاما وقوة، إلا أنها أكثر كلفة.
كلف بناء “هايوِند تامبن” على أعماق تتراوح بين 260 و300 متر، نحو 7.4 مليارات كرونة (691 مليون دولار).
أضخم مزارع الرياح المستقبلية.. تنطلق من مصر
تخطط مصر لبناء واحدة من أكبر مزارع الرياح في العالم بحلول مارس/آذار 2026، بتكلفة 10 مليارات دولار، وفقا لما قاله محمد منصور، رئيس مجلس إدارة شركة إنفينيتي باور في مقابلة مع وكالة “بلومبرغ” للأنباء في يونيو/حزيران 2024.
يشترك في تنفيذ المشروع شركة إنفينيتي في مصر، وشركة مصدر للطاقة المتجددة المملوكة لأبوظبي.
سيبدأ المشروع البري في توليد الكهرباء بحلول عام 2032، إذ يسلط انقطاع التيار الكهربائي خلال فصل الصيف الضوء على احتياجات الدولة من الطاقة.
قال منصور في المقابلة: “كان من المقرر أن يبدأ بناء المشروع بقدرة 10 غيغاواط هذا العام، لكنه تأخر بسبب عملية الاستحواذ على الأرض في منطقة غرب سوهاج بصعيد مصر”.
يعد تأمين مصادر جديدة للطاقة قضية ملحة بالنسبة لمصر، التي تعاني منذ نحو عام انقطاع التيار الكهربائي بسبب ارتفاع درجات الحرارة وقضايا أخرى.
عقبات في أوروبا
فيما تواجه طاقة الرياح في أوروبا معضلة جديدة، ممثلة في التغيرات المناخية التي ستقف بالمرصاد –على ما يبدو- للجهود الجبارة التي يبذلها القائمون على تلك الصناعة النظيفة في القارة العجوز.
وعانت صناعة الرياح في أوروبا انتكاسة كبيرة خلال العامين الماضيين، نتيجة ارتفاع تكلفة الإنتاج الناجم عن الزيادة الحادة في التضخم، ما دفع العديد من كبار المطورين إلى إلغاء خططهم المستقبلية، أو حتى التخارج من مشروعات قائمة بالفعل.
ويحتاج الاتحاد الأوروبي إلى تركيب توربينات رياح جديدة سعة 31 غيغاواط سنويا لتحقيق مستهدفاته لعام 2030، ما يشير إلى أن التكتل ما يزال بعيدا عن المسار الصحيح الذي يقود إلى نمو طاقة الرياح في أوروبا.
وأضافت أوروبا سعة قياسية من الرياح البرية في العام قبل الماضي (2022) لامست 16.7 غيغاواط، إضافة إلى 2.5 غيغاواط من الرياح البحرية، وفق تقرير صادر عن مجلس طاقة الرياح العالمي، تابعته منصة الطاقة المتخصصة.
وبحسب تقديرات هيئة صناعة طاقة الرياح الأوروبية “ويند يوروب WindEurope” فإن بناء مزارع الرياح الجديدة في الاتحاد الأوروبي ستبلغ سعته 20 غيغاواط في المتوسط على مدى السنوات الـ5 المقبلة.
من الممكن أن يهبط إنتاج طاقة الرياح في أوروبا بنسبة تصل إلى 30% بحلول نهاية العقد الحالي (2030)، إذ تتسبب ظاهرة الاحتباس الحراري في أوقات كثيرة من الضغط العالي المقترن بالطقس الهادئ، وفق تقرير بحثي صادر عن شركة “تريد دبليو باور TradeWpower” النرويجية المتخصصة في تحليل بيانات الطاقة.
وقال الرئيس التنفيذي لشركة تريد دبليو باور إيفان فور سفيغاردن إن “ظاهرة الاحتباس الحراري في أوروبا سوف يختلف تأثيرها تمامًا في القارة العجوز، مقارنةً بما يتوقعه الكثيرون”، في تصريحات رصدتها منصة الطاقة المتخصصة.
وأشار إلى أن المزيد من الضغط العالي يعني أن “متوسط إنتاج طاقة الرياح في أوروبا قد انخفض، وسيواصل التراجع”.
ويُظهر تحليل الشركة، الذي يستند إلى بيانات تاريخية ظهرت بعد عام 1997، أن آثار الاحتباس الحراري يعني أن إنتاج طاقة الرياح في أوروبا من الممكن أن يهبط بنسبة تتراوح بين 20 و30%، قياسا بما هو متوقع، بحلول نهاية عام 2030.
ولطالما حذّر العلماء من أنماط طقس أكثر حدّة عبر كوكب الأرض، مثل الفيضانات والجفاف، نتيجة الزيادة في مستويات انبعاثات غازات الدفيئة الناجمة عن الأنشطة البشرية.