تاريخ أرامكو السعودية: من البدايات البسيطة إلى العملاق النفطي

في عام 1933، وقّعت المملكة العربية السعودية اتفاقية امتياز مع شركة ستاندرد أويل أوف كاليفورنيا (سوكال)، وهو الحدث الذي وضع الحجر الأساس لشركة أرامكو السعودية وسط مسيرة من النجاحات والتحديات على مدى 91 عاماً.
بدأت قصة أرامكو السعودية بهذه العبارة الشهيرة التي قالها الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود لوزير المالية عبدالله الحمدان عند توقيع الاتفاقية: “توكل على الله ووقع”. وهكذا بدأت الشركة رحلتها الطويلة نحو النجاح.
في البداية، تم إنشاء شركة تابعة لستاندرد سميت بكاليفورنيا أرابيان ستاندارد أويل كومباني (كاسوك) لإدارة الاتفاقية. وحددت المادة 23 من الاتفاقية دور الشركة الأمريكية في إدارة المشروع مع التأكيد على توظيف السعوديين في المراكز الرئيسية.
بمساحة امتياز تبلغ 829 ألف كيلومتر مربع، بدأت أرامكو رحلتها في استكشاف واستخراج النفط. وكان السعوديون جزءًا أساسيًا من هذه الرحلة، مع مشاركة الدليل البدوي خميس بن رمثان وغيره من الجيولوجيين السعوديين في استكشاف البيئة الصحراوية.
تتجه أرامكو السعودية الآن نحو مستقبل واعد، مواصلة تطوير قطاع الطاقة والبتروكيماويات في المملكة العربية السعودية وخارجها، وتعزيز مكانتها كواحدة من أكبر الشركات النفطية في العالم.
اكتشاف بئر الدمام: نقطة تحول في تاريخ السعودية
في عام 1938، حدث تحول هائل في تاريخ السعودية ورفاهية مواطنيها عندما تم اكتشاف النفط في بئر الدمام، المعروف أيضًا بـ “بئر الخير”. وقد جاءت برقية من سان فرانسيسكو في 4 مارس/ آذار 1938، تؤكد أن بئر الدمام رقم 7 أنتج زيتًا بمعدل 1585 برميلاً يوميًا، وهو ما شكل نقطة تحول في صناعة النفط العالمية.
في بداية مايو/ أيار 1939، بدأ النفط السعودي يتداول في الأسواق العالمية، حيث تم تحميل أول شحنة نفط خام من ميناء رأس تنورة. يُعتبر هذا اليوم يومًا تاريخيًا وعلامة فارقة، حيث فتحت السعودية الباب على مصراعيه لفرص الازدهار والتطور الصناعي.
منذ هذه اللحظة، بدأ ميلاد شركة أرامكو، التي أصبحت عملاقًا في صناعة النفط على مستوى العالم. مع توافر الفرص في الأربعينيات، ومع تراكم النجاحات، تحولت شركة “كاسوك” إلى شركة الزيت العربية الأمريكية “أرامكو”.
مصفاة رأس تنورة: رمز الطموح والتطور
تعتبر مصفاة رأس تنورة، التابعة لشركة أرامكو السعودية، أكبر مصفاة في المملكة، حيث بُنيت لتكون أكبر من المصفاة التي بنتها شركة كاسوك في عام 1943. خلال فترة الخمسينيات، دخلت أرامكو حقبة جديدة من التطوير، حيث قامت بتطوير بنياتها التحتية وأنجزت خط الأنابيب “تابلاين” الذي يمتد لـ 1200 كيلومتر، وهو الشبكة التي ربطت حقول النفط في شرق السعودية بلبنان والبحر الأبيض المتوسط.
استمرت الاكتشافات النفطية في الخمسينيات، حيث تم اكتشاف حقل السفانية عام 1951، والذي يُعتبر أكبر حقل في المنطقة المغمورة. وفي نفس العام، أكدت أرامكو عبر أعمال الاكتشافات المتتالية ضخامة حقل السفانية، وصنعت حقل الغوار، الذي يُعتبر أكبر حقل للنفط في اليابسة.
في عام 1973، امتلكت السعودية حصة مشاركة بنسبة 25% في أرامكو، وفي 1975 قامت أرامكو السعودية بتصميم وتطوير وتشغيل شبكة الغاز الرئيسة، التي وُصفت بأنها إحدى أكثر مشاريع الطاقة طموحًا على مر التاريخ، لتجميع الغاز من حقول الشركة المنتجة لتلبية احتياجات السعودية من الوقود والطاقة.
في عام 1980، امتلكت حكومة السعودية الشركة بالكامل، وحققت أرامكو نقلة نوعية بعد اكتمال خط الأنابيب “شرق-غرب”، الذي ينقل سوائل الغاز الطبيعي لربط المنطقة الشرقية بينبع على ساحل البحر الأحمر.
النعيمي أول رئيس سعودي للشركة
وفي عام 1984 تم تعيين على النعيمي كأول رئيس سعودي للشركة حتى صدر مرسوم ملكي عام 1988 بتأسيس شركة الزيت العربية السعودية، أو (أرامكو السعودية)، وفي العام التالي أعلنت الشركة أول اكتشاف لزيت وغاز عالي الجودة جنوب الرياض، خارج منطقة أعمالها الأصلية. وفقا لموقع “العربية”.
وركزت الشركة وقت ذاك على تأسيس كل ما يمكن أن تستند إليه في مستقبلها وتوسعها للوصول للريادة عالمياً، فمن الناحية التجارية، أنجزت الشركة في عام 1995 بناء 15 ناقلة ضخمة للزيت الخام، وفي عام 1998 بدأ الإنتاج من حقل الشيبة الواقع في صحراء الربع الخالي، الذي يُعد أضخم المشاريع من نوعه في أيّ مكان في العالم.
إنجازات الألفية الجديدة
مع بداية الألفية أزاحت أرامكو الستار عن هدفها الاستراتيجي الطموح لعام 2020 الذي يحدد توجهاتها لأن تصبح شركة متكاملة في قطاعي الطاقة والكيماويات، تركّز في ذلك على تعظيم الإيرادات وتسهيل التوسّع المستدام والمتنوّع في اقتصاد السعودية، وتمكين قطاع طاقة سعودي حيوي وقادر على المنافسة عالمياً.
في شهر أكتوبر/ تشرين الأول 2021 احتفلت الشركة ببلوغ معدل الإنتاج 500 ألف برمي من النفط يوميًا في حقل منيفة وبحلول عام 2017 تحقق الهدف النهائي للمشروع بإنتاج 900 ألف برميل في اليوم، وفقاً لوكالة “واس السعودية”.
وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، أعلنت “أرامكو”، عن بدء أعمال المرحلة الأولى لتطوير حقل الغاز الضخم وغير التقليدي في الجافورة، أكبر حقل غاز غير مصاحب في السعودية.
رقم قياسي لطرح أرامكو
وفي حدثٍ جذب انتباه العالم، سجلت “أرامكو” سجلت في عام 2019 رقماً قياسياً في أكبر طرح عام أولي في تاريخ البورصات العالمية، عندما جمعت 29.4 مليار دولار من حصة 1.5 % من أسهمها في سوق تداول السعودي على رغم اعتمادها بالكامل تقريباً على المستثمرين المحليين، ووصلت القيمة السوقية للشركة يومها إلى 1.7 تريليون دولار.
ومنذ إدراجها في السوق المالية السـعودية (تـداول) في 11 ديسمبر/ كانون الأول 2019 استمرت أرامكو في تحقيق الأرباح لمساهميها، وكان هذا الإدراج أول جزء من خطة طموحة تستهدف بيع 5 % من الشركة مقابل نحو 100 مليار دولار وفق بيانات “تداول”
وسُمح في عام 2020 إكمال استحواذ أرامكو على 70% من شركة “سابك” بالتوسّع في مجال تحويل النفط إلى قيمة، وحقق دفعة قوية في مجال التكرير والبتروكيماويات المتكاملة.
طرح حصة جديدة من “أرامكو”
وفي العام 2024 تستعد الشركة لجمع 12 مليار دولار من خلال طرح ثانوي بدا اليوم لعدد 1.5 مليار سهم تعادل 0.64% من أسهم عملاق النفط لتخطف أنظار العالم مجددًا.
وفقا لمصادر رويترز، فإن النطاق السعري للسهم يدور بين 26,70 و29 ريالاً ، لكن الشركة قد تبيع خيار التخصيص الزائد نحو 1.7 مليار سهم أو ما يعادل 0.7% ما قد يرفع قيمة الصفقة المرتقبة إلى 13 مليار دولار.
وحققت أرامكو العام الماضي صافي ربح سنوي قدره 121.3 مليار دولار، وهو ثاني أعلى أرباحها على الإطلاق بعد أن حققت 161.1 مليار دولار في عام 2022.
لاعب رئيسي في قطاع النفط عالميًا
وتسعى أرامكو، وهي أكبر شركة نفط في العالم، اليوم لتلبية الطلب المتزايد على المواد الكيماوية من خلال جهودها المتواصلة لتحويل ما يصل إلى 4 ملايين برميل يومياً من السوائل إلى مواد كيماوية بحلول عام 2030.
وتستفيد أرامكو من الابتكارات التقنية لتوسيع حلول استخلاص الكربون وتخزينه وإنتاج الهيدروجين، وتضم إحدى أكبر مراكز استخلاص وتخزين ثاني أكسيد الكربون على مستوى العالم، وتهدف إلى استخلاص ما يصل إلى 11 مليون طن متري من ثاني أكسيد الكربون.
وتعتزم الشركة أن تكون لاعباً مؤثراً في الأسواق الجديدة لحلول تخزين الكربون والهيدروجين، ولدعم هذا التوجه، تستهدف إنتاج ما يصل إلى 11 مليون طن متري سنوياً من الأمونيا الزرقاء بحلول عام 2030 مع محاولة تقليل الانبعاثات وأملاً في الوصول لطموحها في تحقيق الحياد الصفري للغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري التي تقع ضمن النطاقين (1 و2) في مرافق أعمالها التي تملكها وتديرها بالكامل بحلول عام 2050.