هل الاقتصاد الأمريكي في أفضل حالاته: ارتفاع مستوى الديون الشخصية والتضخم يثقلا كاهل المواطنين
في ظل معدلات بطالة منخفضة ومستويات قياسية من فرص العمل المتاحة، يبدو الاقتصاد الأمريكي في وضع مزدهر. مع ذلك، تظهر مؤشرات مقلقة تشير إلى تحديات كبيرة تواجه الأفراد، وخاصة الجيل Z، الذي يغرق في ديون بطاقات الائتمان. هذا التناقض يثير تساؤلات حول مدى صحة تعافي الاقتصاد الأمريكي.
البطالة وفرص العمل: مؤشرات إيجابية
يشهد سوق العمل الأمريكي أدنى معدلات البطالة منذ عقود، مما يعكس قوة ظاهرية. توفر الملايين من فرص العمل يعزز الدخل والإنفاق، مما يُعد إشارة إيجابية على الرخاء الاقتصادي. في الأوقات العادية، يرتبط انخفاض البطالة بزيادة الرخاء الاقتصادي وارتفاع مستويات المعيشة.
الديون الشخصية: قلق متزايد
ورغم هذه المؤشرات الإيجابية، هناك مخاوف جدية بشأن ارتفاع الديون الشخصية، خاصة بين الجيل الجديد. يعاني العديد من الشباب من مستويات عالية من ديون بطاقات الائتمان، لدرجة أن المقرضين توقفوا عن منحهم مزيدًا من الأموال. هذا الاعتماد الكبير على الاقتراض لتغطية النفقات اليومية يعكس مشكلة اقتصادية عميقة قد تؤثر على الاستقرار المالي للأفراد على المدى الطويل.
رؤية الاقتصاديين: تفاؤل حذر
يبدي العديد من الاقتصاديين ترددًا في تأكيد تعافي الاقتصاد بشكل كامل. غريغوري داكو، كبير الاقتصاديين في مؤسسة “إي واي”، يشير إلى أن الاقتصاد يبدو قويًا في ظاهره، لكنه يضم جيوبًا من القلق. هذا يعكس تباينًا بين المؤشرات الاقتصادية الكلية والوضع المالي الشخصي للأفراد، مما يجعل التقييم الشامل لتعافي الاقتصاد معقدًا.
المنظور السياسي: انقسام في الرؤى
يختلف التقييم الاقتصادي بشكل كبير بين السياسيين:
- الرئيس جو بايدن: يؤكد أن الاقتصاد مزدهر ويشهد تحسنًا غير مسبوق، لكنه يعترف بوجود تحديات تحتاج إلى معالجة مستمرة.
- الرئيس السابق دونالد ترامب: يقدم صورة قاتمة عن الاقتصاد، واصفًا إياه بالمنهار والفوضوي، ويستخدم هذا النقد كجزء من حملته الانتخابية.
قوة ظاهرية وتحديات خفية
بينما يعكس انخفاض البطالة وتوفر فرص العمل قوة ظاهرة للاقتصاد الأمريكي، إلا أن ارتفاع الديون الشخصية يعكس تحديات كبيرة تواجه الأفراد، خاصة الشباب. هذا التباين يجعل من الصعب تقديم تقييم نهائي لصحة الاقتصاد، حيث تظل المؤشرات الإيجابية مقلقة بسبب المشاكل الاقتصادية الشخصية التي يعاني منها الكثيرون.
الخبر السار
حالياً، هناك 8.5 ملايين وظيفة شاغرة، وهذا يتجاوز عدد الوظائف الشاغرة قبل وباء «كورونا» بمقدار 1.5 مليون. وفي الوقت نفسه، هناك 6.5 ملايين من العاطلين عن العمل، وهذا يعني أن هناك أكثر من وظيفة لكل باحث عن عمل. وفي العقد الذي سبق الوباء، كانت هذه النسبة 0.6 في المتوسط، ما يدل على أن عدد الباحثين عن عمل أكبر من عدد الوظائف الشاغرة.
التضخم في الولايات المتحدة: تحسن بطيء ومخاوف مستمرة
رغم التباطؤ الملحوظ في معدلات التضخم منذ ذروته في صيف 2022، يواجه الاحتياطي الفيدرالي تحديات كبيرة في تحقيق هدفه المتمثل في الوصول إلى معدل تضخم 2%. يبدو أن تحقيق هذا الهدف سيستغرق وقتاً أطول مما كان متوقعاً، مما يثير قلق العديد من مسؤولي البنك، بمن فيهم محافظ بنك الاحتياطي الفيدرالي كريستوفر والر.
مفاجآت في الأداء الاقتصادي
في خطاب ألقاه يوم الثلاثاء، عبر والر عن دهشته من المسار الاقتصادي الحالي، مشيراً إلى أن الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2024 جاءت بنتائج أقل من المتوقع فيما يتعلق بالتضخم والنشاط الاقتصادي. هذا التباطؤ في الأداء الاقتصادي ألقى بظلاله على التوقعات المستقبلية للاقتصاد. ومع ذلك، أظهرت بيانات مؤشر أسعار المستهلك لشهر أبريل تراجعًا طفيفًا في مستويات التضخم، مما جلب بعض الارتياح والترحيب.
تقييم التضخم: أداء متوسط
وصف والر بيانات التضخم بأنها تستحق درجة “C (+ -)”، مشيرًا إلى أنها ليست فاشلة ولكنها بعيدة عن الامتياز. هذا التقييم يعكس الحالة الراهنة للاقتصاد، حيث تتراوح بين التحسن الطفيف والقلق المستمر بشأن المستقبل.
توقعات المستهلكين وتأثيرها
تشير استطلاعات الاحتياطي الفيدرالي إلى أن المستهلكين يتوقعون ارتفاع التضخم في العام المقبل. تعتبر هذه التوقعات مؤثرة بشكل كبير، حيث تأخذها الشركات في الحسبان عند تسعير السلع والخدمات، مما يمكن أن يؤدي إلى ارتفاع الأسعار. هذه الديناميكية تخلق تحديات إضافية للاحتياطي الفيدرالي في محاولاته للسيطرة على التضخم.
إنفاق التجزئة وتداعياته
أظهرت القراءة المبكرة لإنفاق التجزئة لشهر أبريل انخفاضًا أكبر من المتوقع، حيث قام المستهلكون بتقليص إنفاقهم. على الرغم من أن هذا الانخفاض قد يمنع تجار التجزئة من زيادة الأسعار، إلا أنه يشكل تحديًا آخر، حيث أن الإنفاق الاستهلاكي يعد أحد أكبر محركات الاقتصاد. التراجع في الإنفاق يمكن أن يؤدي إلى آثار سلبية على النمو الاقتصادي.
الخلاصة
بينما تظهر بيانات التضخم الأخيرة بعض التحسن، تظل التحديات قائمة أمام الاحتياطي الفيدرالي لتحقيق أهدافه الاقتصادية. تزايد التوقعات بارتفاع التضخم والانخفاض في إنفاق المستهلكين يضيفان تعقيدات إلى الصورة الاقتصادية الحالية، مما يجعل الطريق نحو التعافي الكامل أكثر صعوبة.
الخبر الأسوأ
أكبر ضوء أحمر في الاقتصاد في الوقت الحالي، هو مستوى الديون التي يتحملها عامة الشعب. أحد الأسباب وراء استمرار الإنفاق الاستهلاكي بشكل جيد في مواجهة التضخم العالي والمقترن بأعلى أسعار الفائدة منذ أكثر من عقدين، هو أن المستهلكين لا ينفقون بالضرورة في حدود إمكاناتهم. لقد تبخرت المدخرات التي تراكمت لدى الكثيرين أثناء الوباء، ما أدى إلى المزيد من عمليات شراء بطاقات الائتمان التي لا يتم سدادها في الوقت المحدد.
هذا، جنباً إلى جنب مع سوق العمل التي بدأت تتعثر بعض الشيء، ما يقلل من استدانة العمال، ويتسبب في تراكم المزيد من الديون على بعض الأسر، والوقوع في دوامة هذه الديون، وهو ما يؤدي إلى تأخر السداد لأكثر من 90 يوماً. فقد أظهرت بيانات بنك الاحتياطي الفيدرالي الأخيرة في نيويورك، أن النسبة المئوية لأرصدة بطاقات الائتمان التي تعاني وضعاً خطراً، ارتفعت إلى أعلى مستوى لها منذ عام 2012.
إذا استمر ارتفاع مستويات الديون الاستهلاكية ومعدلات التخلف عن السداد، فإن ذلك لا يمثّل مجرد مشاكل فردية، حيث كتب أستاذ الاقتصاد والمالية بجامعة لويولا ماريماونت وكبير الاقتصاديين في مؤسسة «اس اس ايكونوميك»، سونج وون سون، في مذكرة حديثة: «يمكن أن يؤدي ذلك إلى آثار على الاقتصاد الكلي، تتطلب اهتماماً من صنّاع السياسات الاقتصادية» ويستنتج أنه «مع توجيه المزيد من الدخل نحو سداد الديون، فإن هناك دخلاً أقل لدى المستهلكين لينفقوه على المشتريات الأخرى».
ويعتقد أن ارتفاع حالات التأخر في السداد من المرجح أن تجبر البنوك والمقرضين الآخرين على إقراض أموال أقل للمقترضين الذين يُعدُّون أكثر خطورة أو إقراضهم بأسعار فائدة أعلى. وفي نهاية المطاف، يمكن لهذه التأثيرات مجتمعة «أن تسهم في تباطؤ اقتصادي أوسع نطاقاً أو حتى الركود». عن الـ«سي إن إن»
. يعتقد أن ارتفاع حالات التأخر في السداد من المرجح أن تجبر البنوك والمقرضين الآخرين على إقراض أموال أقل للمقترضين الذين يُعدُّون أكثر خطورة أو إقراضهم بأسعار فائدة أعلى. وفي نهاية المطاف، يمكن لهذه التأثيرات مجتمعة، أن تسهم في تباطؤ اقتصادي أوسع نطاقاً أو حتى الركود.