سياسة

أفريقيا ساحة أختبار بين الصين وأمريكا والبيت الأبيض يسعى إلى استقطاب الزعماء الأفارقة

يبرز دور الصين المتنامي في إفريقيا على الساحة الدولية، حيث أصبحت القارة الإفريقية ساحة اختبار حيوية لأكبر اقتصادين في العالم، في سباقهما نحو توسيع نفوذهما الاقتصادي والسياسي. تركز الانتباه على التنافس الحاد بين الصين والولايات المتحدة في تحديد مسارات التنمية والتأثير في هذه القارة الحيوية.

ويعترف كبار المسؤولين في الإدارة الأميركية بأن زيارة الرئيس الكيني وليام روتو للولايات المتحدة تأتي في إطار مواجهة نفوذ الصين المالي والاقتصادي في إفريقيا، حيث تسعى الولايات المتحدة لتعزيز حضورها وتأثيرها في القارة، والتنافس مع الصين على المشاريع التنموية الكبرى.

منذ عقود، قدمت الصين قروضًا بفائدة عالية للدول الإفريقية ذات الدخل المنخفض، بهدف تمويل مشاريع التنمية المحلية، بما في ذلك المشاريع البنية التحتية الكبرى، وذلك ضمن إطار مبادرة الحزام والطريق الصينية. ومن بين هذه المشاريع: خط سكك الحديد فائق السرعة الذي يربط بين العاصمة نيروبي وميناء مومباسا في كينيا، والذي تم تمويله بالمليارات من الدولارات من قبل البنوك الصينية بموافقة الحكومة الكينية.

ديون باهظة

الديون الباهظة تثقل كاهل الدول الإفريقية، حيث قامت الصين بتقديم قروض بقيمة 170 مليار دولار لهذه الدول منذ عام 2000، مما زاد من تحملها المالي وأثر سلباً على قدرتها على سداد هذه الديون. وبدأت تلك القروض تحتل موقعاً مركزياً في جدول أعباء الديون، ما دفع العديد من البلدان الإفريقية إلى البحث عن إجراءات لتخفيف العبء المالي الناتج عنها.

وفي هذا السياق، يأتي زيارة الرئيس الكيني وليام روتو للولايات المتحدة، حيث من المتوقع أن تسلط الضوء على ضرورة تقديم المساعدة المالية والدعم للدول الإفريقية لمساعدتها في تخفيف العبء المالي الناجم عن الديون الباهظة. ومن المقرر أن تعلن الولايات المتحدة وكينيا “رؤية نيروبي-واشنطن”، التي تدعو الدائنين، بما في ذلك الصين، إلى تقديم الدعم لتخفيف الديون وتقديم المنح للمساعدة في تعزيز التنمية الاقتصادية.

في هذا السياق أيضاً، تشير الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى دعم مشاريع التنمية في إفريقيا، مثل بناء ممر للسكك الحديدية يربط بين أنغولا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وزامبيا، وهو ما يسهل عبور الموارد الطبيعية الهامة في المنطقة.

وخلال لقاءاته مع الرئيس جو بايدن، أكد الرئيس الكيني روتو على أهمية الاستثمار في التنمية الاقتصادية لكينيا وباقي دول القارة الإفريقية. وفي اجتماعات مع الرؤساء التنفيذيين، أعرب روتو عن تفاؤله بشأن المستقبل الواعد لإفريقيا ودورها كمنطقة تستحق الاستثمار والتنمية، وهو ما تدعمه إدارة بايدن كجزء من تحولها في تعاملها مع القارة الإفريقية.

صراعات خارجية

ومع ذلك، فإن زيارة روتو لواشنطن تأتي في لحظة من عدم الاستقرار السياسي في العديد من البلدان الإفريقية، فقد أطاحت الانقلابات العسكرية التي حدثت خلال العام الماضي بالحكومات وأكدت على هشاشة سيادة القانون، في حين أبدى حلفاء أميركا التقليديون في القارة استعداداً جديداً للانفصال عن الولايات المتحدة. وتمثل أحد أهداف زيارة الرئيس الكيني في إظهار قدرة الديمقراطيات مثل كينيا، على تلبية احتياجات شعوبها.

وأصبح بايدن، الذي استضاف الزعماء الأفارقة في البيت الأبيض لحضور قمة في وقت سابق من ولايته، منشغلاً منذ ذلك الحين بالصراعات في الشرق الأوسط وأوكرانيا. واستضاف منذ اجتماع ديسمبر 2022، الذي أعلن خلاله أنه «مؤيد بالكامل» لإفريقيا، زعيماً إفريقياً واحداً فقط لإجراء محادثات في البيت الأبيض، وهو الرئيس الأنغولي جواو مانويل غونسالفيس لورينسو.

وقال مسؤول كبير في الإدارة هذا الأسبوع: «ليس سراً أن العالم شهد كثيراً من الأحداث خلال العام ونصف العام الماضيين»، مشيراً إلى مجموعة من الوزراء وغيرهم من كبار المسؤولين في الإدارة الذين زاروا إفريقيا كدليل على التزام فريق بايدن بذلك.

ومع ذلك، فإن موجة الصراعات الخارجية منعت بايدن نفسه من القيام بزيارة، وهو ما تعهد بالقيام به في غضون عام من انعقاد القمة. وقال مستشاره للأمن القومي، جيك سوليفان للصحافيين، الأربعاء الماضي: «إنه لايزال ينوي السفر إلى إفريقيا كرئيس، لكنه لم يتمكن من تحديد الموعد». وقال بايدن أثناء ترحيبه بروتو في البيت الأبيض الأربعاء: «إنه يعتزم زيارة إفريقيا العام المقبل، بعد تأمين إعادة انتخابه، كما يأمل».

ويقول المستشارون: «إن بايدن لايزال عازماً على تركيز الاهتمام على إفريقيا، خصوصاً وسط المناورات من أجل النفوذ الاستراتيجي من روسيا والصين». كما أن المقارنة مع الرئيس السابق دونالد ترامب، الذي أشار بشكل خاص إلى بعض الدول الإفريقية على أنها (أوكار قذرة)، ولم يقم هو بنفسه بزيارة إفريقيا عندما كان في منصبه، لم تغب عن أعين مساعدي بايدن. وتعتبر زيارة روتو لواشنطن هي الأولى التي يقوم بها زعيم إفريقي منذ عام 2008.

ومن خلال اختيار كينيا لزيارة الولايات المتحدة، يشير بايدن وفريقه، إلى أنهم ينظرون إلى روتو وبلاده على أنهما من بين أهم حلفاء الولايات المتحدة في منطقة تحوّلت فيها الولاءات بعيداً عن واشنطن. وكانت كينيا شريكاً رئيساً للولايات المتحدة في مكافحة مسلحي حركة الشباب في الصومال المجاورة، وانضمت في وقت سابق من هذا العام إلى التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، بهدف صد الهجمات على ممرات الشحن في البحر الأحمر التي يشنها الحوثيون في اليمن. وتستعد كينيا أيضاً لنشر 1000 ضابط شرطة شبه عسكري في هايتي في محاولة لقمع عنف العصابات، وهي مهمة تمولها الولايات المتحدة إلى حد كبير.

• من خلال اختيار كينيا لزيارة الولايات المتحدة، يشير بايدن وفريقه، إلى أنهم ينظرون إلى روتو وبلاده على أنهما من بين أهم حلفاء الولايات المتحدة.

• زيارة روتو لواشنطن تأتي في لحظة من عدم الاستقرار السياسي في العديد من البلدان الإفريقية، فقد أطاحت الانقلابات العسكرية خلال العام الماضي بالحكومات وأكدت على هشاشة سيادة القانون.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى