قبل نحو 30 عاماً، تم تنصيب نيلسون مانديلا كأول رئيس أسود لجنوب إفريقيا. وفي فبراير 1994، كان هو والملايين من السود في جنوب إفريقيا قد صوّتوا للمرة الأولى في حياتهم. وعلى المستوى الدولي، اعتبرت المشاهد المبهجة دليلاً آخر – بعد سقوط الاتحاد السوفييتي – على أن العالم يتحرك في اتجاه ديمقراطي بعد القرن الـ20 المظلم.
وبينما تستعد جنوب إفريقيا لإجراء انتخاباتها العامة السابعة المتعددة الأعراق في 29 مايو، فإنه يحق لها أن تشعر بالفخر. وسيكون هذا التصويت حراً ونزيهاً. إن المؤسسات الليبرالية التي تأسست في عهد مانديلا تشكّل حصوناً ضد إساءة استخدام السلطة. وقد انتقل الملايين من السود في جنوب إفريقيا من نظام الفصل العنصري إلى الطبقة الوسطى.
ومع ذلك، وبعد ثلاثة عقود من الحرية، يقول معظم مواطني جنوب إفريقيا، إنهم غير راضين عن الديمقراطية وسيتخلصون من الحكومات المنتخبة إذا تمكّن أي حاكم مستبد من القيام بعمل أفضل. وهناك مزيد من التواصل الاجتماعي عبر الحدود العرقية، لكن نسبة مواطني جنوب إفريقيا الذين يقولون إن العلاقات العرقية تحسنت منذ عام 1994، انخفضت بشكل حاد منذ عام 2010.
والسبب بسيط. فبعد التقدم المطرد في السنوات الـ15 الأولى، لم يعد معظم مواطني جنوب إفريقيا يرون أن حياتهم تتحسن. وفي المتوسط، ظلت الدخول راكدة منذ عام 2008، وارتفعت البطالة من نحو 20% إلى أكثر من 30%، وأصبح انقطاع الكهرباء والمياه أكثر تواتراً. لقد تسرب الفساد إلى كل طبقات الدولة. وتحصل 15% فقط من 257 بلدية على عمليات تدقيق نظيفة من الجهة الرقابية ذات الصلة، ومن الصعب أن تكون شاكراً للحريات الديمقراطية عندما تكون عاطلاً عن العمل، وتعيش في منزل جدتك.
إن فهم السبب وراء غموض حلم جنوب إفريقيا أمر بالغ الأهمية إذا كان لأكبر اقتصاد في إفريقيا أن يجد طريقه. ولكن من المؤسف أن التفسير القدري قد ترسّخ بين الأكاديميين والمعلقين والساسة اليساريين. ويرى هذا الرأي أن الصفقة التي تم التوصل إليها في أوائل التسعينات لإنهاء الفصل العنصري، كانت مجرد خدعة. فقد فازت بحقوق سياسية للسود، لكن ليس الحرية الاقتصادية. وبعبارة أخرى، كان مانديلا مستسلماً، وكان إيذاناً ببدء «نظام فصل عنصري جديد» تم فيه اختيار النخبة السوداء من قِبل البيض.
وهناك العديد من الأسباب وراء هذا الخطأ. أولاً، لا ينسب هذا الفضل إلى شجاعة مانديلا وحنكته. لقد كان سياسياً ماهراً، والتزم بخطوطه الحمراء، وفاز بحكم الأغلبية مع تجنّب الحرب الأهلية.
وفي عهد تريفور مانويل، الذي تولى منصب وزير المالية من 1996 إلى 2009، عززت سياسات الاقتصاد الكلي المعقولة نمو الناتج المحلي الإجمالي السنوي المطّرد بمعدل 3.3% في المتوسط، أي أكثر من ضعف المعدل على مدى السنوات الـ14 التالية. وباستخدام العائدات، استبدلت الحكومات التي يقودها حزب المؤتمر الوطني الإفريقي الملايين من الأكواخ الطينية بمنازل لائقة، فيها مياه ومصابيح كهربائية. وجعلت مزايا الرعاية الاجتماعية الفقر أقل وطأة.
ويتمثّل الخطر – على مدى الأعوام الـ30 المقبلة – في أن تصبح محصّلة السياسة صِفراً على نحو متزايد. والأحزاب الشعبوية تهاجم العنصرية وتستغل الفقر، لكن هناك أيضاً مرونة في سياسات جنوب إفريقيا التي صيغت في النضال من أجل الحرية.
لقد ترك الفصل العنصري الحذر من السياسات المشحونة بالعنصرية أو القبلية. وقد ساعد هذا التحول في ترسيخ الإجماع والواقعية. وقد جلبت الانتخابات بعض المساءلة، إذ يتمتع حزب المؤتمر الوطني الإفريقي، الآن، بأغلبية في اثنتين فقط من أكبر ثماني مناطق حضرية. وربما كانت الديمقراطية مخيبة للآمال حتى الآن، لكن عام 2024 – كما في عام 1994 – يوفر إمكانية التجديد، وهذه هي هدية مانديلا الدائمة.
• انتقل الملايين من السود من نظام الفصل العنصري إلى الطبقة الوسطى.
• يقول معظم مواطني جنوب إفريقيا إنهم غير راضين عن الديمقراطية.