فن
أخر الأخبار

«شهر زي العسل» كوميديا شديدة البساطة والحلاوة

6003001

مارلين سلوم

هناك أفلام تفوق مستوى توقعاتك، تبدأ بمشاهدتها بسبب حب المشاهدة أو الفضول أو الرغبة في اكتشاف ما تقدمه السينما الخليجية من جديد، فتجد نفسك مشدوداً راغباً في المزيد مستمتعاً بالقصة والتصوير والإخراج والتمثيل. هذا تحديداً ما يحصل مع الفيلم الكويتي «شهر زي العسل» الذي أطلقته حديثاً شبكة «نتفليكس» ويعرض عليها حصرياً، يفاجئك لشدة بساطته وحلاوته. إنه فيلم «زي العسل»، خلطة مميزة من الكوميديا والرومانسية وخلطة من التعاون المصري اللبناني في التأليف والإخراج والإنتاج (إيغل فيلمز)، استطاعت إعادتنا إلى الأفلام الرومانسية الخفيفة القريبة من قلوب كل الناس، والتي اعتدنا مشاهدة الكثير منها في زمن نجومنا الأوائل وأصبحت قليلة في زمننا الحالي، وهي جديدة بلا شك على السينما الخليجية والكويتية تحديداً.

«شهر زي العسل» عنوان يجذب الجمهور، لكنه في نفس الوقت يحمله على الاعتقاد بأن المضمون قد يكون باهتاً لا تشويق فيه، مجرد «قصة حب» مع رشة ضحك والسلام، خصوصاً أنه التجربة السينمائية الطويلة الأولى لمخرجه اللبناني إيلي السمعان الذي قدم مجموعة مسلسلات ناجحة منها «شتي يا بيروت»، بينما قدم مؤلفه إياد صالح أفضل برهان على قدرته في الكتابة السينمائية هذا العام أيضاً مع تجربته الأولى من خلال فيلم «الحريفة» الذي حصد نجاحاً أبهر الجميع في مختلف الدول العربية. ويبدو أن «شهر زي العسل» تثبيت لقدمي إياد صالح في التأليف السينمائي وهو الذي سبق أن تفوق في الكتابة الدرامية لمسلسلات عدة مثل «الكتيبة 101» و«سكة سفر» و«نصي التاني» وشارك في كتابة «الاختيار».

تمهيد

اختار المخرج أن يقدم في اللقطة الأولى مشهد شجار بين زوجين، تحسبه عادياً يحصل بين أي زوجين وتمهيد لنا كي نفهم أن التفاهم مستحيل بينهما وأن الطلاق آتٍ في الطريق، ثم نفهم أنهما مازالا في شهر العسل ويتوجهان إلى الجمهور لسرد «كيف بدأت قصتنا؟». يعود بنا المخرج إلى الكويت لنتعرف على البطلين، حمد صالح (محمود بوشهري) مدير شركة صالح للاستثمار، وهي شركة والده، ونور (نور الغندور) مدربة لياقة بدنية مغرمة بحبيبها يوسف (فيصل المزعل) الذي يخبرها بأنه مسافر إلى بيروت في رحلة عمل، لكنها تكتشف لاحقاً ومن خلال وسائل التواصل أنه تزوج ويقضي شهر العسل في لبنان. هنا تقرر البحث عن عريس والزواج بأسرع وقت ممكن والسفر خلال أيام إلى بيروت لإشعال الغيرة في يوسف. في المقابل، نرى والد حمد (قحطان القحطاني) يوقف له أحد أهم المشاريع التي يعمل عليها وينتظر توقيع العقد مع شركة ألمانية، ليجبره على التركيز في المشروع الأهم، الزواج، وعليه أن يجد الفتاة المناسبة ليتزوج منها ويأتي بالبشرى السعيدة بقدوم الحفيد خلال شهر على أكثر تقدير، لذلك يلجأ حمد إلى صديقه وائل (مهدي برويز) ليجد له العروس ويتزوج زواجاً تقليدياً سريعاً، وهو ما تفعله نور التي تلجأ لصديقتها أمل (آسيا) وهي زوجة وائل، فيتفق الزوجان على تعريف حمد ونور ببعضهما بعضاً.

من هنا، تبدأ المفارقات والمواقف الطريفة، والتي تخلق أجواء مرحة دون أن يكون في الكتابة أي ليّ لذراع البهجة وافتعال للمواقف الكوميدية، ما يجعل الممثلين كلهم يقدمون أداءً جيداً طبيعياً وبأريحية دون اضطرارهم للتركيز على الأداء الكوميدي أو الاستظراف. يلتقي حمد بنور في مكتبة عامة ويدعي كل منهما ما ليس فيه، ويخفيان الهدف الرئيسي والغاية من وراء سعيهما للزواج بأسرع وقت، ورغم استغراب كل منهما لتصرفات الآخر يتفقان على إتمام الزواج ويسافران لقضاء شهر العسل في بيروت كما طلبت العروس.

شاءت الظروف أن تتأخر خالة العريس (غرور) عن موعد الزفاف لتصل فتجد والدة العروس (أمل محمد) أمامها، وهنا تنقلب الأحداث مع إسراع الخالة إلى الاتصال بحمد لتخبره بأن هناك احتمال أن تكون نور شقيقته في الرضاعة لذلك عليه أن يبتعد عنها ولا يلمسها إلى حين تتأكد هي وأم العروس من الأمر شرط ألا يخبر نور بالأمر، فيبدأ العريس بافتعال المواقف كي يجعل نور تتعب من كثرة اللف والسياحة والأنشطة الرياضية وتسلق الجبال لتعود منهارة وتخلد للنوم، لكنه يفاجأ بأنها رياضية وأنه هو من ينهار من التعب.. ينجح حمد في إبعاد نور دون إخبارها بالسبب الحقيقي، وتنجح نور في الابتعاد عنه لإحساسها بأنه غريب ولا مشاعر لديها تجاهه.. المواقف الكوميدية تشتعل من تقلبات الخالة وأم نور بين تأكيد المعلومة تارة ونفيها طوراً إلى أن يتم التأكد من أنها ليست شقيقته في الرضاعة وأن زواجهما سليم.

طبعاً تنجح نور بمطاردة يوسف والإقامة في نفس الفندق الذي يقيم فيه مع عروسه عائشة (ريم النجم) وهي صديقة الطفولة لنور، ويقع ما لم تحسب حسابه نور، وتتطور الأحداث وتتقلب بين مبهج وحزين، وقد استطاع المؤلف التأثير في الجمهور بكلتا الحالتين فيتقلب حزناً وفرحاً وفق حالتي البطلين.

لن نحرق الأحداث بسرد تطوراتها ونهايتها، ونكتفي بالقول إنها تمشي وفق مسار منطقي وتصل إلى حيث المتوقع بما أن زواج حمد ونور تم في خلال أسبوع من بداية تعارفهما، وأن غاية كل منهما من هذا الارتباط لم يكن الزواج بحد ذاته، بقدر ما كان إرضاء لرغبة والد حمد وتحقيق هذا الأخير حلمه بإتمام صفقة مع الشركة الألمانية، وإرضاء لرغبة نور في الانتقام من يوسف.

من اللافت أن المخرج إيلي السمعان لم يقدم الصورة التقليدية للأماكن اللبنانية التي يتم تصوير معظم الأفلام العربية فيها وصارت مثل «الكليشيه» في السينما، وبمجرد أن تراها تعرف أنك في لبنان، بل ذهب إلى أماكن غير مستهلكة سواء في الجبل أم على البحر، واستغل جمال الطبيعة في المرتفعات وعلى الشاطئ ليعكس على الشاشة إحساساً بالراحة يرافق المشاهدين طوال الساعتين (مدة الفيلم) والتي تمضي سريعة خفيفة لا يفقد فيها الجمهور شغف المشاهدة. ويمكن القول إن «شهر زي العسل» كسر نمطية الأفلام الكويتية والخليجية التي تعتمد في الغالب على القصص الاجتماعية وقصص الرعب أو المستوحاة من الموروث والماضي والصراع بين الخير والشر.

نور الغندور نجحت في تقديم كوميديا خفيفة، أداؤها غير مبالغ فيه سواء في الظرف أو في الرومانسية، وشكلت ثنائياً مع بوشهري الذي تألق هو أيضاً بدور الرجل الرزين «غير الفرفوش» والذي تقوده نور إلى تذوق متعة الحياة بالمرح والضحك والرياضة.

عمل مكتمل

لا نبالغ إن قلنا: إن «شهر زي العسل» فيلم مكتمل، وإن اختيار أماكن التصوير في لبنان واللقطات وجمال الصورة والمناظر يجعله من فئة الأعمال الأجنبية التي تبهرنا بالصورة، فنتغاضى عن أي خلل أو ضعف في القصة. هو من نوعية فيلم «ماما ميا» اللذيذ المنعش الممتع الذي يمكنك مشاهدته أكثر من مرة ولا تشعر بالندم أو الملل. هنا أيضاً ينتهي الفيلم وتشعر برغبة في العودة إليه مجدداً، وهذه ميزة لا تتوفر في كل الأفلام الرومانسية ولا الكوميدية ولا الاجتماعية.

[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى