إنه موسم إن لم يكن عام التألق والنجاح للنجم هشام ماجد، فبعد تصدره «الترند» وقائمة أفضل مسلسل كوميدي في رمضان بعمله «أشغال شقة»، أطل على الجمهور في عيد الفطر من نافذة السينما بفيلم «فاصل من اللحظات اللذيذة» ليحصد نجاحاً أكبر ويتصدر الأكثر إيراداً بين الأفلام العربية في دول الخليج ويتأرجح بين المركزين الأول والثاني في بلده مصر، فيردد له البعض أغنية الفيلم «مبروك يا ابن المحظوظة». لكن نجاح هشام وفيلمه لم يعتمدا على الحظ، بل على مجموعة عوامل مثل القصة والإخراج أضف إليهما نضج هذا الفنان سواء في الأداء أو في اختياراته.
غالباً ما تتجه السينما المصرية لتكثيف إنتاجها من الأعمال الكوميدية لتعرض في المواسم الكبرى مثل عيد الفطر، فتكون المنافسة في الصالات شرسة أحياناً، ينتصر فيها الأكثر قدرة على محاكاة الواقع وملامسة متطلبات الجمهور مع اختلاف الأذواق. هذا ما فعله «فاصل من اللحظات اللذيذة» الذي يمكن القول بأن اسمه يعكس مضمونه والحالة التي يعيشها الجمهور خلال مشاهدته في الصالات، عمل يجمع بين الكوميديا والفنتازيا، يحمل في كفيه الواقع والخيال، يقدم قصة أسرة مصرية المفروض أن تكون متوسطة الحال، لكنها تفشل في الارتقاء بنفسها إلى هذا المستوى كما يفشل الزوجان في توفير الاستقرار والعيش بتفاهم وسعادة مع ابنهما الوحيد. صالح مهندس معماري فاشل، ولا تحتاج إلى من يؤكد لك فشله في مكان عمله؛ إذ يكفي أن ترى المنزل الذي صممه بنفسه، والذي ينطبق عليه قول «أغرب من الخيال» لشدة بشاعته وغياب المنطق عن كل ما فيه. بيت بلا أبواب؛ فالدخول إلى المنزل والخروج منه عبر النافذة، والعبور إلى غرفة النوم لا بد أن يكون عبر دورة المياه العجيبة هي الأخرى. والمطبخ جزء من الصالة والحنفية ديكور، بينما استخدام المياه وتدفقها من خلال مقبض ومفاتيح الكهرباء..
من هذه المواصفات في بضعة سطور تصلك روائح الكوميديا قبل أن تشاهدها بعينيك، ما يؤكد نجاح المؤلفين شريف نجيب وجورج عزمي في كتابة كوميديا المشهد والموقف أكثر من الاعتماد على «الإيفيه» والبذاءة والتفاهة أو الاستظراف. لن تجد كوميديا «تموتك من الضحك» إنما فكرة تجذبك وتنتظر تطوراتها، فلا تقع في فخ الملل أو التكرار لنحو ساعتين من العرض؛ نص لم يتطلب وجود عدد كبير من الممثلين والكومبارس ولا الانتقال بين مواقع تصوير كثيرة، بل إن التصوير معظمه داخلي، والمخرج أحمد الجندي تفنن في تقديم عالم موازٍ جميل، على النقيض تماماً من الواقع الذي يعيشه البطل وأسرته، عالم يشعرك فعلاً أنه من خيال لشدة روعته، كما يشعرك بالسعادة كلما انتقل إليه المهندس صالح ليعيش لحظات لذيذة في عالم غريب: بهجة ألوان وملابس وحديقة وديكور، خصوصاً شكل البطلة هنا الزاهد اختصار لمعنى «الحياة لونها بمبي»، ما جعل البعض يعتبر هذا العمل مستنسخاً من فيلم «باربي» الأجنبي، ليرد هشام ماجد بأنه مكتوب منذ أكثر من سنتين.
«فاصل من اللحظات اللذيذة» كما ذكرنا يتناول قصة المهندس صالح (هشام ماجد) وزوجته دريّة (هنا الزاهد) وابنهما بودي (جان رامز). مشاكله لا تنتهي مع زوجته، ألفاظهما سوقية، يتم استدعاؤهما من قبل إدارة المدرسة بسبب سلوكيات ابنهما العدوانية وعدم احترامه للقوانين والمدرّسين.. فوضى عارمة، إهمال وعدم إحساس بالمسؤولية وفقدان تام لكل معاني السعادة والرضا والتفاهم.. صالح مهندس فاشل يطرده مديره زكريا (بيومي فؤاد، ضيف شرف) من العمل، وأثناء وجوده في منزله وحيداً يفتح غرفة الغسيل فيجد طاقة نور في الحائط تسحبه إلى عالم آخر مختلف تماماً عن عالمه الحقيقي، لكن المدهش أن ساكني هذا البيت المنظّم الكبير النظيف هم أنفسهم، صالح أبو سعدة وزوجته درية وابنهما بودي، ويمكن القول إنها النسخة المعدّلة والراقية من هذه الأسرة.. يحب صالح فكرة الانتقال إلى العالم الراقي، وينبهر بشكل درية الشقراء الرقيقة التي تفيض أنوثة وجمالاً، فيقرر انتحال شخصية زوجها أثناء سفر هذا الأخير في رحلة عمل، مخفياً عن زوجته الحقيقية أمر هذا النفق والعالم الموازي.
درية تكتشف وحدها سر اختفاء زوجها وتبدل هندامه وشكله، فتلحق به ويحصل اختلاط وتضارب الأفكار والثقافات والعادات، خصوصاً أن العالم الموازي هذا يجرّم الصراخ والصوت العالي والغضب، وكل ما فيه صحّي حتى الأكل نباتي وعضوي، والإنجاب يتم عبر الأنابيب لدى «هيئة اللحظات اللذيذة»، حيث يتم تسليم العينات للهيئة ثم يستلم الأبوان طفلهما بعد تسعة أشهر.. حتى كمال (محمد ثروت) الملقب بكومبو وهو ابن عم صالح موجود في هذا العالم لكنه عالِم حكيم وقاض يحكم على من يخالف القوانين بتحويله من إنسان إلى شجرة يتم وضعها في الحديقة.
صالح ودرية وبودي استقروا في العالم الموازي وأرسلوا النسخة «اللذيذة» منهم إلى العالم الحقيقي، ما يخلق مجموعة مواقف تبيّن الفرق بين العالمين، وتمنح النسخة الأرضية فرصة التفكير في أسباب فشل الحياة الزوجية. من اللحظات الجميلة في الفيلم لحظة اعتراف درية بسعادة لم تشعر بها يوماً في حياتها، لأنها وجدت من يقدّرها ويحترمها ويحترم مشاعرها ويشعرها بأن لها دوراً وبأنها تستطيع النجاح، جلسة مصارحة مع صالح الذي يعترف بدوره بتقصيره تجاهها وبحاجتهما للهدوء والتحاور بلا صراخ وعصبية..
أحداث كثيرة تتوالى بعد هذه المواجهة، والطبيعي أن تتعدّل النسخة النموذجية المثالية من هذه العائلة بعد اكتشافها جوانب كثيرة من الحياة كانت محرومة.. لتأتي النهاية بمفاجأة جديدة ونسخة ثالثة من عالم آخر مختلف تماماً. الكاتبان شريف نجيب وجورج عزمي نجحا في تقديم نسخ معدّلة من النفس البشرية، وكأن الإنسان يقف أمام مرآة نفسه، فتكشف له مساوئه وتعطيه فرصة لإعادة تدوير حياته.
من ضيوف الشرف طه دسوقي الذي قدم مشهداً ظريفاً في فيلم قصير داخل الفيلم، مشهد يختصر فيه المؤلفان معنى هذه الحياة الزائدة الحلاوة لدرجة أنها تصبح بلا طعم. رسالة تقول إن الحياة حلوة بتقلباتها وتناقضاتها، فالتطرف مضرّ، سواء في الاتجاه نحو الحلو دائماً أو المرّ.
ثلاثي ناجح
هشام ماجد وهنا الزاهد ومحمد ثروت يقدمون أدواراً متناقضة وينجح الثلاثي في الحالتين، هشام أصبح محترفاً بالكوميديا الجادة التي تدفعك للضحك بلا افتعال، وهنا الزاهد ممتازة بدور دريّة الأشبه بالدمية «باربي»، وجيدة بأداء دريّة المرأة الشعبية، بل السوقية، كما تنقل محمد ثروت بين دوري رجل الأمن والعالِم البارع بنجاح مبتعداً عن المبالغة والاستظراف في الأداء.