فن
أخر الأخبار

«شِقو».. المتعة ناقصة وعناصرها متوافرة

5957255

قبل أن يبدأ أي منتج وأي مخرج بالاستعداد لبدء العمل بفيلم ما، يضع في حسابه الجمهور ويدرك أن أسماء نجوم من الصف الأول قادرة على جذبه فليأتي إلى الصالة للمشاهدة، فيضمن بشكل تلقائي رهان «شباك التذاكر» خصوصاً إذا اختار الأكشن والعصابات والمطاردات والسرقة وكل أجواء أفلام الحركة الأكثر شعبية وجماهيرية في السينما؛ وهو الرهان الذي كسبه بلا شك ومنذ اليوم الأول المنتج أحمد السبكي والمخرج كريم السبكي بفيلم «شِقو» الذي انطلق في الصالات أول أيام العيد، وكيف لا يحقق أعلى الإيرادات بين المعروض حالياً وقد اختار لبطولته ممثلين كلهم من الصف الأول وكل منهم له جمهوره ومعجبوه؟ لكن هل يضمن «شِقو» لجمهوره المتعة الكافية ويكافئ جمهوره بعمل مختلف مضموناً وشكلاً ويليق به وسيبقى علامة مميزة في السينما؟.

يسرا، محمد ممدوح، دينا الشربيني، عمرو يوسف، أمينة خليل، وليد فواز، أحمد فهمي، عباس أبو الحسن، محمد جمعة، جميل برسوم وحنان يوسف، والباقي كومبارس لزوم الضرب والمعارك القتالية والمطاردات بالسيارات.. القائمة وحدها تقول لك أنك أمام فيلم من الوزن الثقيل، أياً كان حجم دور هذا النجم أو ذاك، إلا أن الحضور ولو شرفياً وسط هذه المجموعة يضمن للجمهور الاستمتاع بأداء ممثلين معروفين بقدراتهم العالية ومواهبهم المميزة، لذلك يبقى السؤال الأهم عن المضمون، فهل جاء الكاتب وسام صبري بمضمون يرتقي بالعمل إلى مستوى الإبداع الحقيقي، خصوصاً أن الفيلم مستوحى من رواية «أمير اللصوص» (2004) للكاتب الأمريكي تشاك هوجان؟

ما يميز أفلام الجريمة والأكشن عن بعضها بعضاً، ليست الفكرة لأنها غالباً ما تكون واحدة وإنما الاختلافات تكون في التفاصيل والقدرة على حبك القصة بإتقان وذكاء وامتلاك الكاتب لمفاتيح التشويق الكفيلة بجعل الجمهور يتسمر في مقاعده متوتراً مستنفراً وكأنه جزء من العمل يخاف على أبطاله ويتفاعل معهم في كل تقلباتهم، ضحكاً وخوفاً وبكاءً وتعاطفاً.. لذلك يبقى لديك هذا الإحساس وأنت تشاهد «شِقو»، بأن هناك مسافة بين مشاعرك وما يحدث أمامك على الشاشة، وكأن المتعة ناقصة، مع إن كل العناصر موجودة، العصابة مكتملة بعنصريها «المخ والعضلات»، الذكي وهو الرأس المخطط دائماً إسماعيل ويجسده عمرو يوسف، والبدين الأقل ذكاءً الأشبه بالوحش حجازي ويجسده محمد ممدوح، التيمة التقليدية في غالبية إن لم يكن كل قصص العصابات؛ خلف هذه العصابة من هو أذكى وأدهى، الدكتورة والتي نكتشف لاحقاً أن اسمها درية السيد أحمد وتجسدها يسرا، وخلف يسرا مجهول أكبر (أو مجهولون كبار وخطيرون) مستتر لا يظهر، فقط يصدر الأوامر ويخيف الجميع.

ارتباط أشقاء

«شِقو» كلمة مشتقة من شقيق، ينادي بها حجازي وإسماعيل بعضهما بعضاً، للدلالة على مدى ارتباطهما وربط مصيريهما ببعض منذ الطفولة، فإسماعيل الذي تركته أمه طفلاً لدى جيرانها وخرجت ولم تعد، كبر مع حجازي كالشقيقين وتعلما السرقة والقتال وبقي إسماعيل متمسكاً برفضه القيام بأي عملية قتل، علماً أنه قد يقتل أحد مهاجميه تحت بند «الدفاع عن النفس»، بينما حجازي أشد شراسة، ولا يتوانى عن التصرف برعونة وبلا تفكير فيتسبب بمشاكل كثيرة يتورط بها ويورط معه شِقو الذي يجد نفسه في كل مرة مضطراً للتدخل من أجل إنقاذ حجازي. الشقيقان ينفذان أوامر الدكتورة (يسرا) التي تحب إسماعيل وتطمئن لكل العمليات التي يقوم بها لأنه أمين ومخلص، في حين تمنع حجازي من دخول بيتها وترفض غباءه ورعونته، ما يشعل الغيرة في قلبه ويحاول مراراً تحريض إسماعيل على القيام بعمليات بعيداً عنها؛ آخر عملية تطلبها الدكتورة، هي سرقة خزانة رجل الأعمال الثري محمد السواعدي (جميل برسوم) من داخل فيلته، ورغم وجود عشرات الحراس يتمكن الثنائي ومعهما محروس (محمد جمعة) صديق حجازي من دخول الفيلا بخطة ذكية من إسماعيل ويظل محروس بالخارج مراقباً، ويجد إسماعيل وحجازي ممرضة بجانب السواعدي المريض، ومفتاح الخزنة الذي يبحثون عنه في رقبتها، تتطور الأمور على غير ما خطط له إسماعيل، فيتسبب حجازي بمقتل السواعدي وإصابة الممرضة فاطمة ودخولها في غيبوبة، لكن إسماعيل يسرع إلى ربط رأسها خوفاً عليها قبل الهروب مع المسروقات.. وما لم يعمل حسابه أيضاً شِقو (إسماعيل) هو محروس الذي يوسوس لحجازي بضرورة تولي أمور العمليات الكبرى وحدهما وعلى طريقتهما بلا مساعدة من الدكتورة وإسماعيل، ويقنعه بتسليمه ما حصلوا عليه من خزانة السواعدي لقاء مبلغ مالي يفوق الأموال التي عثروا عليها، وهذا ما يحصل، ليفاجأ إسماعيل باتصال من الدكتورة تطالبه بتسليم المسروقات وقد علمت بحصول محروس عليها وتلقت تهديدات من «الكبار»، بينما يقوم محروس بالاتصال بابن السواعدي كرم (عباس أبو الحسن) لابتزازه فيحصل ما لم يكن في الحسبان وتتعقد الأمور.

قصة حب مع الصخب

في المقابل يقع إسماعيل في حب فاطمة الممرضة الطيبة النقية التي تعيل وحيدها وليد بمساعدة أمها (حنان يوسف)، ويحرص على مساعدتها منتحلاً صفة رئيس جمعية خيرية، ما يثير شكوك رئيس المباحث (وليد فواز) الذي يربط الخيوط ببعضها ويكشف حقيقة الثنائي «شِقو».

خمر ومخدرات وأفعال لا أخلاقية وعمليات سرقة وضرب وقتل.. ووسط كل هذا الصخب تولد قصة حب ناعمة هادئة بين إسماعيل والممرضة فاطمة (دينا الشربيني)، فسحة نقيّة يتوق إليها إسماعيل ويمنّي النفس بالتوقف عن السرقة والاكتفاء من حياة الضياع، لكن الجمهور يدرك جيداً أن الأمنية لن تتحقق دون ثمن باهظ، فما هو الثمن خصوصاً أن حجازي يغير على شِقو من هذه العلاقة ويرفض نيته الابتعاد عن الحياة التي يعيشانها، ويقول لإسماعيل «لو كوبري اكتوبر فك احنا ما نتفكش»؟

الكاتب وسام صبري مزج الأكشن ببعض المواقف الطريفة، لغة الشارع والألفاظ السوقية والشتائم بارزة بحكم طبيعة الشخصيات وبيئتها، لكن البارز أيضاً الصراخ والصوت العالي خصوصاً لدى الراقصة فتنة أو تونه (أمينة خليل) حبيبة حجازي وزوجته بورقة عرفية، رغم أن شخصية الراقصة وإن كانت تتعاطى المخدرات وألفاظها سوقية، ليس بالضرورة أن تتحدث بهذا الصوت العالي والصراخ الدائم، ورغم أن أمينة خليل جسدت الدور كما يجب وخرجت لأول مرة عن الأدوار الرزينة والراقية التي قدمتها سابقاً في السينما والتلفزيون، إلا أن اللوم هنا على المخرج كريم السبكي الذي أراد للصراخ أن يطغى على مشاهد فتنة وحجازي!.

كريم السبكي أجاد لعبة الأكشن وما ساعده في تقديم مشاهد يستطيع الجمهور تصديقها، هو حرص الفنان عمرو يوسف على عدم الاستعانة بدوبلير حتى في المشاهد الخطيرة كما يقول، وهو تحدٍّ صعب ومجازفة تحسب له؛ كذلك أداء محمد ممدوح المميز لشخصية المتمرد الشرس وساعده في ذلك بنيانه الضخم وقد استغله المخرج جيداً خصوصاً في لقطات تعمّد فيها تصويره من تحت ليبدو أكثر ضخامة وهو يحمل عصاه ويهجم على أحدهم؛ ومشى المخرج في السياق التقليدي لأفلام العصابات والمطاردات، حيث لا بد من هروب الأبطال ودخول أحد المصانع ليلحق بهم من يطاردونهم سواء عصابة أخرى أو الشرطة وتدور معركة ويشتد إطلاق الرصاص.. المخرج أراد تقديم عمرو يوسف أو إسماعيل كبطل شريف، رغم أنه سارق وقاتل، كما تفعل السينما الأمريكية، وهو ليس بارعاً بالقتال فقط، بل بقيادة سيارته على طريقة أفلام «فاست أند فوريوس»، أكثر من مرة يهب لإنقاذ فاطمة من جهة وحجازي من جهة أخرى عبر قيادة سيارته بسرعة أبطال سباق السيارات الخارقين.

نجوم متألقون

كل النجوم متألقون في الأداء، حتى إطلالة أحمد فهمي كضيف شرف بدور «القنّي» جيدة، لكن دور الدكتورة لا يعتبر إضافة للنجمة يسرا، ولا حضورها أضاف للعمل ثقلاً، لذلك لم نفهم سبب موافقتها على المشاركة في هذا العمل، حتى وإن كانت هي أحد الخيوط الذي سيقود إلى خيوط أخرى وتقديم شخصيات تدير عمليات الكبار لاحقاً؟ علماً أن مسار الأحداث أنبأنا سلفاً، وقبل مشاهده الأخيرة وقبل ظهور آخر عبارة فيه، أن النهاية ستكون مفتوحة وأن للفيلم أجزاء أخرى أو على الأقل جزءاً ثانياً، رغم أن النجاح الذي نراه اليوم هو عادي، والفيلم ليس سيئاً ولا ممتازاً لكنه لا يشوقنا لمتابعة أبطاله في سلسلة آتية.

[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى